خواطر

بقلم : أيناس مريح
ألأمر الذي يناقشه هذا المقال هو الوسائل أو القواعد التي تستعمل في سير عملية الإقناع، وتأثير تلك الوسائل على الناس بشكل مقصود وليس بالصدفة أو العشوائية. فقد أتبع أرسطو أفلاطون بنظريته ألتي بها بنص على أتباع التفكير بشكل عقلاني جماعي لأجل الوصول لنتيجة ، الجدل هو طريقه علمية أو فلسفية يتخذها الناس في مناقشاتهم كباحثين ،والجدل يكون وفقا لتعريفات واضحة، ألمقارنه مع أمثله مشابهه من خلال التفكير العقلاني .وقد انتقد أرسطو معلمي ألبلاغه في قولهم أنه يجب أثارة العواطف ،ويوضح قائلا ألموضوع ليس فقط أثارة عواطف ،فهذا غير مقبول أخلاقيا فالناس ليست مجموعه تثار عواطفها. أفضل طريقه للإقناع هي مداخلة فكره، تقول شيء ما عن الواقع.( argument).
تقع على المقنع مسؤولية أخلاقيه عاليه،تدل الدراسات أن النظريات الأولى في الاتصال كنظرية أرسطو وأفلاطون اهتمت بدراسة الخطابة للمستمع بغرض الإقناع ولذلك كانوا ينظرون إلى الاتصال على أنه الفن العملي للإقناع لا يخفى على المبتدئ في مجال تاريخ الأفكار وتاريخ الأدب أن أرسطو كان أول من أقام صرحي علم الشعر وعلم الخطابة. ولقد كان حرصه على تأسيس هذين العلمين جزءا من برنامجه التربوي السياسي الأخلاقي. بل إن هذا البرنامج كان فيما يبدو جزءا من نزوعه الديمقراطي. ولأمر ما كان يرى الشعر والخطابة، خلافا لأستاذه أفلاطون الميال إلى الحكم الفردي، أداة لتكوين المواطن الحر. فما هي الخطابة؟ إنها في رأيه فن العثور على ما يسمح بالإقناع في مقام ما. أو هي، بالمعنى المحصور للمصطلح، فن الإقناع في المقامات السياسية الثلاثة: في المحاكم القضائية وفي التجمع الشعبي وفي المجلس الحاكم. في المقام الأول تقوم الخطابة القضائية وفي الثاني تقوم الخطابة الاستشارية وفي الثالث تقوم الخطابة الاحتفالية.
البلاغة عبارة عن قدرة على فن استخدام العبارات ،هي فن طريقه منظمه عن الواقع ،الإقناع هو نتيجة استخدامي لهذا الفن أو المنهج،الإقناع لا يكون عن طريق الحظ أو ألصدفه ولكن بطريقه منظمه،يوجد اختلاف بين ظرف وآخر حيث توجد أوضاع مختلفة للإقناع ،نظرية ألبلاغه تهتم بالوسائل وهي تهتم بدراسة التقنيات المختلفة في الإقناع.فاختلاف الجمهور يؤدي إلى استخدام تقنيات مختلفة .
وسائل الإقناع والتي لا زالت تستخدم :الوسيلة الأولى (ethos) التي تأخذ شخصية المتكلم وتفحصها (אתוס)،والايتوس متعدد. فكرة أرسطو إن الجمهور مقتنع أنه هذا الإنسان جيد فالمقنع يعطي صوره للمتكلم وبهذا يسهل عملية الإقناع.
الوسيلة الثانية ( pathos) :الوضع النفسي للجمهور، المشاعر والعواطف السائدة تؤثر على قدرة وعملية الإقناع .المتكلم الجيد هو الذي يثير المشاعر كي يسهل عملية الإقناع.الوسيلة الثالثة
(logos)،يعتمد على التركيب الذاتي للبلاغ( الرسالة كيف تم تركيبها).
إذا علمنا أن الاتصال يمثل القوة المحركة للحياة الاجتماعية المشتركة بما يكفل التفاعل الاجتماعي بينها، والتفاهم المشترك بين الإفراد، فلا يمكن أن يتصور أن ذلك التفاعل و التفاهم سوف ينتهي بلا هدف محدد أو غاية مقصودة ، وقد يكون ذلك الهدف هو الإقناع بفكرة معينة أو غرض ما أو لشيء آخر وهو ما يؤكد العلاقة القوية بين الاتصال والإقناع.. وقد يكون الاتصال بلا هدف إنما لمجرد الارتباط أو التقليد وليس الإقناع ، ومن ذلك حالات كثيرة أقرب مثال عليها أن يلتقي إثنان في الطريق فيسلمان على بعضهما البعض ثم يمضي كل منهما في طريقه فهنا نقول أن عملية الاتصال قد حدثت ولكن لم تحدث عملية إقناع لذا يرى الكثير من المفكرين القول بأن العمليتين منفصلتان يقوم عليهما التوافق الاجتماعي بين الأفراد والجماعات
إن العلاقة بين الاتصال والإقناع قديمة ووثيقة، فتاريخ الاتصال الذي يزيد عمره على 2500 سنة يمتد إلى كتابات البابليين والمصريين قبل القرن الخامس قبل الميلاد ظهر خلال تلك السنين نماذج عديدة للاتصال، وبتحليل تلك النماذج ظهرت عدة تغيرات ومفاهيم، كانت المفاهيم الأولى للاتصال، تهتم بالخطابة بهدف إقناع المستمعين، وكان من أهم أساليبها البلاغة والبيان وتطورت الاهتمامات والمفاهيم لتشمل الحديث العام والخاص والتسلية والتعليم إضافة إلى الإقناع.
لتطبيق نظرية الإقناع على الساحة السياسية حول حرب الإسرائيليين على لبنان ،وسبل الإقناع التي استخدمت من قبل الجانب الإسرائيلي واللبناني على الشعبين والرأي العام ،فقد انشغل المفكرين في تحليل الثلاث وسائل في عملية الإقناع
(ألايثوس): في الجانب اللبناني ،وهو شخصية المتكلم والتي يمثلها في هذه الحالة (حسن نصر الله)، (معا)- أظهر استطلاع مصري للرأي ان زعيم حزب الله حسن نصر الله هو الشخصية الأكثر شعبية في الشرق الأوسط" إن شخصية المتكلم والتي اكتسبت ثقة الجمهور في سنوات ماضيه وذلك من خلال عملية "عناقيد الغضب" في إبريل 1996، والتي تمخضت عن توقيع "تفاهم نيسان"، الذي اعترف بحق المقاومة اللبنانية (ممثلة بحزب الله) في الرد على الاعتداءات الإسرائيلية. صفقة تبادل الأسرى والجاثمين بين حزب الله وإسرائيل،هروب الجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في مايو العام 2000 جعلت من (أيتوس ) شخصيه مقنعه مؤثره وموثوق بها وقد وصف نصر الله بأنه شخصية كاريزمية، رغم شخصيته الدينية، فإن كثيراً من المحللين والمراقبين يعتبرونه سياسياً محنكاً، فضلاً عن أنه يحظى باحترام وتقدير قطاع واسع من اللبنانيين والعرب.
(Pathos) أي الوضع النفسي للجمهور والمقصود هنا هو اللبنانيين: مشاعر الجمهور اللبناني كانت تغلب عليه حالة الغضب حيث لم تقع غالبية الضربات على الصعيد اللبناني ككل ولكن تأثير ما حدث بالجنوب كجزء من لبنان أنتج حالة غضب نتيجة الاعتداء على سيادة ألدوله. هذه الحالة من الغضب ساعدت المتكلم(حسن نصر الله) في عملية الإقناع ونرى أن المتكلم قد أستخدم مشاعر الغضب للناس حين وعد بالرد وضرب مدينة حيفا،وقد نفذ ما وعد، الأمر الذي زاد من ثقة الناس به ، ولكنه اعتمد أكثر في عملية الإقناع من خلال الجدل وطرح الأفكار ودليل على ذلك البنود السبع التي تم نقاشها بين الحكومة اللبنانية والمقاومة أللبنانيه
الرسالة (logo): خطابه السياسي الذي يُقر أعداؤه بوعيه وحنكته، و"كاريزما" خاصة أجمع المختلفين معه عليها، تدعمها موهبة طبيعية في الخطابة، وإدراك وإجادة لأُسس "اللعبة"، من أعدائه. تصفه (روبين رابت) المراسلة الدبلوماسية لـ(واشنطن بوست) التي أجرت مقابلة معه خطابه هادئ ومتفتح ومسالم وغير كاذب وهو قادر علي أن يتحمل مسئولية قراراته، طبعا لا تستطيع أن تكون رأيا واحدا ومباشرا ضد الخطاب الديني ولكنك دوما تكون مع خطاب المقاومة،. خطابه محكما لا يمكنك إلا أن تحترمه. لم يكن يستخدم الألفاظ النابية في الخطاب ودليل على ذلك حين وجه نداء لأهالي حيفا قائلا "دمائنا هي دمائكم" لغة ألخطابه تميزت بأسلوب لبق خالي من الألقاب العنصرية كخطابات البيت الأبيض بوصف الإسلام مثلا بالفاشيين .
יوأما وزير الجيش( عمير بيرتس) فيطالبه الكتاب والصحافيون على الصفحات الأولى من الصحف الإسراع بتقديم استقالته, ومثله رئيس الأركان دان حالوتس, كل هذه ردود الفعل هي دليل على ان الايثوس الإسرائيلي كان ضعيف من حيث عملية الإقناع (الرسالة) في الجانب الإسرائيلي أي ألخطابه ،امتازت بالتناقض والزيف بعدم الموضوعية والغير محكمه الخالية من الدراسة المسبقة ،والتي زعزعت بين ثقة الجمهور والايثوس الإسرائيلي.
(الباثوس):الوضع النفسي للمتلقي في الجانب الإسرائيلي كان يميل الى الخوف ،وعدم الشعور بالأمان ،وقد استغل الايثوس الإسرائيلي مصطلحات التي حاول بها استغلال مشاعر الخوف وعدم الأمان ،لإقناع الجمهور بأهمية محاربة الإرهاب ،وتوفير الأمان للدولة ومواطنيها.
الإقناع هو فن مخاطبة العقول والقلوب فن لا يجيده إلا من يمتلك أدواته، وإذا اجتمعت مع مناسبة الظرف ألزماني والمكاني أثرت تأثيراً بالغاً، ووصلت الفكرة بسرعة البرق. ويجب ان يبنى بصورة أساسية على الإقناع المنطقي والعقلانية والموضوعية ، كما ومسألة تعلم تعبيرات الوجه والعناية بنظرات العين والاهتمام بالمظهر ربما يمثل نصف الطريق نحو إقناع الآخرين.